في مايو 2025، استضاف أسبوع الحِرَف في لندن هيئة التراث التابعة للمملكة العربية السعودية، فى احتفاء استثنائي بالإرث الثقافي من خلال حرفة السدو البدوية العريقة. وقد أُقيمت الفعاليات في متحف فيكتوريا وألبرت الشهير، وفي كرومويل بليس، حيث سلّطت مشاركة الهيئة الضوء على التقاليد الحية والغنية للحرفيين السعوديين، لا سيما دور المرأة بوصفها حافظة لذاكرة التراث الثقافي عبر الحِرَف النسيجية.
إرث السدو
يُعدّ السدو شكلاً تقليديًا من النسيج اليدوي تمارسه النساء البدويات في مختلف أرجاء شبه الجزيرة العربية. ويعتمد على تحويل شعر الإبل والماعز إلى نقوش هندسية جريئة، تعكس طبيعة الصحراء المحيطة ورموزًا قبلية متوارثة عبر القرون. وقد أُدرجت هذه الحرفة على قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، فهي ليست مجرد عمل زخرفي، بل فن سردي عميق؛ إذ يحمل كل نمط ولون وتقنية دلالات محددة، تُنقَل من جيل إلى آخر عبر الترديدات الإيقاعية وجلسات النسيج الجماعية.
عروض الحرفيين في أسبوع الحرف: تقليد ينبض بالحياة
في 13 مايو 2025، احتضن متحف فيكتوريا وألبرت فعالية "عروض الحرفيين في أسبوع الحرف: نسج السدو"، حيث قُدّمت عروض حيّة مبهرة لهذه الحرفة التراثية العريقة. ومن بين الحرفيين المشاركين برزت هالة الغامدي، الحرفية السعودية البارزة المعروفة بشغفها بالحفاظ على فن السدو وتطويره.
جسّدت مشاركة هالة الغامدي حضور السدو الحقيقي أمام الجمهور اللندني، حيث قدّمت عروضًا حيّة على النول الأفقي مستخدمة تقنيات تقليدية متوارثة، مكّنت الزوار من مشاهدة تفاصيل العملية الدقيقة والتأملية التي تميّز هذا الفن. وقد أظهرت مشاركتها ليس فقط مستوى المهارة الرفيع، بل وأبرزت كذلك الأبعاد الثقافية العميقة للسدو بوصفه تعبيرًا عن الهوية والانتماء والمرونة.
همسات منسوجة: خيوط من الإرث
قدّمت هيئة التراث أيضًا معرضًا موازياً بعنوان "همسات منسوجة: احتفاء بخيوط الإرث"، استمر من 14 إلى 18 مايو في كرومويل بليس. وقدّم هذا المعرض تجربة غامرة تأخذ الزائر في رحلة بين تجليات السدو التقليدية وتفسيراته المعاصرة. من الأقمشة المنسوجة بدقة إلى التصميمات الحديثة، أبرز المعرض كيف تطورت هذه الحرفة مع الحفاظ على صلتها الوثيقة بجذورها.
وكانت المرأة محور السرد في هذا المعرض، حيث وُصفت بأنها "الراوية الهادئة خلف كل خيط"، تكريمًا لدورها كحافظة للمعرفة الثقافية، تنقلها عبر النول والأجيال. لم يكن المعرض تجربة بصرية فحسب، بل كان أيضًا مساحة للحوار حول أهمية حفظ التراث، واستدامة الحِرَف، ومستقبل الفنون التقليدية في العالم المعاصر.
حوار ثقافي عبر الحِرَف
تأتي مشاركة المملكة العربية السعودية في أسبوع الحِرَف في لندن ضمن جهود أوسع تقودها هيئة التراث لتعزيز التبادل الثقافي، وإبراز الحرف التقليدية على الساحة العالمية. وهي خطوة تنسجم مع رؤية المملكة في إحياء إرثها غير المادي، وتعزيز فرص التعاون الدولي والحوار الإبداعي.
ومن خلال عرض حرفة السدو، قدّمت هيئة التراث ما هو أبعد من مجرد معرض للحِرَف، بل ساهمت في تعميق التفاهم الثقافي، ودعم الاقتصاد الحِرفي، وتأكيد أهمية التراث الثقافي بوصفه قوة ديناميكية ومتجددة.
أثر دائم
أثبت حضور هالة الغامدي وزميلاتها من الحرفيات في أسبوع الحرف في لندن 2025 أن الحِرَف التراثية مثل السدو ليست مجرّد بقايا من الماضي، بل هي تقاليد حية تنبض بالإبداع، وتشكّل ملامح الهوية الثقافية وتغذّي الابتكار الفني. فبين خيوط منسوجة بعناية، نقلت المملكة رسالة واضحة عن جمال الحرف اليدوية، وقوة القصص التي تحملها كل خيط.
ومع اختتام فعاليات أسبوع الحِرَف، برزت رسالة واحدة جليّة: عندما نحتفي بالإرث ونتشاركه، يصبح جسرًا يصل بين الشعوب والثقافات والأجيال.