الفنانات السعوديات في بينالي البندقية: أربع أصوات شكّلت مساراً فنياً

أربع فنانات سعوديات رائدات: شادية عالم، مها الملوح، زهرة الغامدي، ومنال الضويان، قدّمن في بينالي البندقية إبداعًا يعكس هوية المرأة السعودية ويؤكد حضورها المتنامي في مشهد الفن المعاصر العالمي.

Make Tofu Not War, 2018, Goshka Macuga © The Artist. Courtesy of the Artist and Kate McGarry London. Photo © British Council
Zahra el Ghamdi's After Illusion: Photo by Italo Rondinella

شادية عالم

استطاعت الفنانات السعوديات أن يرسمن حضورًا بارزًا على الساحة الفنية العالمية، وكان بينالي البندقية من أهم المنصات التي عكست هذا الحضور. ففي عام 2011، سجّلت شادية عالم اسمها كأول سعودية تشارك في هذا المحفل الدولي، حيث قدّمت مع شقيقتها الكاتبة رجاء عالم عملاً مشتركًا بعنوان القوس الأسود في الجناح السعودي الأول. جسّد التمثال النحاسي بمكعّبه المعلّق وكراته المتلألئة رموزًا مرتبطة بالحج والفولكلور والذاكرة الثقافية، لتكون مشاركة شادية عالم أكثر من مجرد إنجاز فني؛ بل محطة تاريخية دشّنت انطلاقة جديدة للفنانات السعوديات في واحد من أعرق المعارض الفنية بالعالم.

وُلدت شادية عالم في حي المسفلة بمكة المكرمة عام 1960، وحصلت على درجة البكالوريوس في الفن والأدب الإنجليزي من جامعة الملك عبد العزيز. بدأت مسيرتها الفنية مطلع التسعينيات، فشاركت في معارض وطنية عديدة، وأصبحت عضوًا في كل من بيت الفنانين التشكيليين وبيت الفوتوغرافيين في جدة.

قدمت خلال مسيرتها عدة معارض شخصية داخل المملكة وخارجها، من أبرزها معرض نيجاتيف نو مور في متحف "كونست" بألمانيا عام 2005، ومعرض الكل تغيّر في متحف "موبرناس" بفرنسا عام 2004، لتؤكد مكانتها كإحدى الرائدات في المشهد التشكيلي السعودي.

 

مها الملوح

تُعدّ مها الملوح واحدة من أبرز الأسماء في الفن السعودي المعاصر، وقد ارتبط اسمها عالميًا بمشاركتها في بينالي البندقية عام 2017، حين دُعيت لتكون أول فنان سعودي يشارك رسميًا في هذا المحفل العريق. عرضت الملوح في المعرض المركزي فيفا آرتي فيفا عملها التركيبي “غذاء للفكر: أما بعد"، وهو تركيب مهيب من مئات الصواني المعدنية المكدسة بأشرطة كاسيت لخطب دينية، ليصبح استعارة بصرية وصوتية عن كيفية تحوّل الأشياء اليومية والثقافة الجماهيرية إلى ذاكرة جمعية. بهذا العمل، لفتت الأنظار إلى قدرة الفن على مساءلة التقاليد الراسخة وإعادة تقديمها في صورة معاصرة تتجاوز حدود المكان.

تُعرف الملوح بقدرتها على تحويل المواد البسيطة والمرتبطة بالحياة اليومية، مثل أواني المطبخ أو شرائط الكاسيت، إلى منشآت فنية ضخمة تحمل دلالات إنسانية وثقافية عميقة. حضورها في بينالي البندقية لم يكن مجرد مشاركة، بل محطة مفصلية أبرزت الفن السعودي في فضاء عالمي، وقدّمت صورة جديدة عن المرأة السعودية كصوت مبدع وجريء.

وُلدت مها الملوح في جدة عام 1959، وحصلت على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة الملك سعود بالرياض، قبل أن تواصل دراستها في التصميم والتصوير الفوتوغرافي في كلية دي أنزا بولاية كاليفورنيا الأمريكية. وعلى مدار مسيرتها، قدّمت أعمالًا كثيرة تجمع بين الذاكرة الفردية والجماعية، إلا أن مشاركتها في البندقية ستظل لحظة فارقة رسّخت اسمها عالميًا، وأسهمت في تعزيز حضور الفن السعودي ضمن المشهد المعاصر الدولي.

 

زهرة الغامدي

في عام 2019، مثّلت زهرة الغامدي المملكة العربية السعودية في جناحها الوطني بعملها التركيبي واسع النطاق "بعد الوهم"، الذي ضم أكثر من اثنين وخمسين ألف قطعة جلدية مشغولة يدويًا. استوحت الغامدي هذا العمل من تضاريس موطنها في منطقة الباحة ومن الزخارف العسيرية التقليدية، ليجسّد علاقة المكان بالذاكرة والهوية، محوِّلًا خامة متواضعة إلى فضاء بصري شعري. وقد أبرزت مشاركتها قدرة الفنانات السعوديات على تقديم أعمال تحمل خصوصية محلية عميقة، بلغة تشكيلية تصل إلى جمهور عالمي، مما سلط الضوء على حيوية المشهد الفني السعودي المتنامي.

تأتي زهرة الغامدي من منطقة الباحة جنوب غربي المملكة، وتُعد من الرائدات في الفن المعاصر السعودي. حصلت عام 2003 على درجة الامتياز في الفنون الإسلامية من جامعة الملك عبد العزيز، ثم عملت بالتدريس قبل انتقالها إلى المملكة المتحدة للحصول على الدكتوراه في الفن والتصميم. عُرفت الغامدي بأعمالها التي تشكّلها من مواد طبيعية وعابرة مثل التراب والطين والصخور والجلود والمياه، وقد عرضت أعمالها في محافل دولية كبرى، من بينها بينالي البندقية والمتحف البريطاني. وغالبًا ما تُشبّه أعمالها بإنتاج فني يتجاوز حدود صالات العرض، مستكشفًا جماليات المواد العابرة في المساحات الطبيعية الشاسعة.

 

منال الضويان

في عام 2024، شاركت منال الضويان في الدورة الستين من بينالي البندقية بعملها "نطقت الرمال، فتحرك الصوت"، وهو تركيب فني ضخم يجمع بين المجسمات والتسجيلات الصوتية. استوحت الفنانة أشكال المجسمات من بتلات وردة الصحراء، ذلك الصخر البلوري الذي يتشكل في الرمال ويُعثر عليه قرب مسقط رأسها في الظهران. وقد غُطيت سطوح هذه المجسمات بطباعة حريرية تضم مقتطفات من الصحف المحلية والدولية حول المرأة السعودية، إلى جانب رسومات أنتجتها نساء سعوديات خلال ورش عمل تشاركية تجسد واقعهن.

أما العنصر الصوتي، فقد انبثق من رحلة الفنانة وفريقها إلى صحراء الربع الخالي، حيث سجلوا أصوات الرمال وهي تُصدر عزيفها المميز أثناء الانزلاق على الكثبان. هذه التسجيلات الميدانية امتزجت لاحقًا مع أصوات النساء السعوديات، فشكلت معًا نسيجًا صوتيًا يتراوح بين التناغم مع هدير الصحراء والتأكيد على قوة الحضور النسائي في أجواء من التضامن.

أحاط العمل زواره بكلمات النساء وأغانيهن وتجاربهن، محولًا الفضاء الفني إلى مساحة جماعية تعكس طاقة المرأة ومشاركتها الفاعلة. وبذلك أكدت الضويان من خلال هذا العمل أن الفن السعودي المعاصر يظل متجذرًا في مجتمعه وموروثاته، ويستمد قوته من أصوات ناسه وحكاياتهم.


تجسد هذه الفنانات الأربع أكثر من مجرد إنجازات فردية؛ فكل واحدة منهن قدّمت أسلوباً مغايراً، سواء عبر التركيب الفني أو النحت أو الفن المجتمعي، وكل منهن وسّعت الطريق لغيرها. لقد أثبتن أن الإبداع السعودي النسائي ليس مقيداً بالتقاليد بل مستنيراً بها. إن نجاحهن في البندقية أسهم في إعادة تشكيل الصورة الذهنية عن الفن السعودي، ووضع المملكة على خريطة الفن المعاصر العالمي. والأثر واضح في المشهد الفني الوطني: فرص أكبر وثقة أعمق واعتراف أوسع بالنساء السعوديات اللواتي يواصلن كتابة قصصهن للعالم.

انظر أيضًا

شركاؤنا

eunic
Ithraa
Manchestercamerata
RCU
RSIFF
Shubbak
VAC