هيئة فنون العمارة والتصميم في بينالي لندن للتصميم

شاركت المملكة العربية السعودية في بينالي لندن للتصميم أربع مرات منذ عام 2017، متطورة من عروض ثقافية إلى رسائل جريئة مثل معرض «المياه الصالحة» 2025، الذي جمع بين التصميم والتراث والوعي البيئي لحوار عالمي

Make Tofu Not War, 2018, Goshka Macuga © The Artist. Courtesy of the Artist and Kate McGarry London. Photo © British Council
Photo by London Design Biennale

منذ انضمامها لأول مرة في عام 2017، رسّخت المملكة العربية السعودية حضورها في أربع دورات متتالية من بينالي لندن للتصميم، من خلال هيئة العمارة والتصميم التابعة لوزارة الثقافة. وقد جاءت كل مشاركة لتعبّر عن تطور ملحوظ في توجهات التصميم والهوية الثقافية، وتعكس التزام المملكة بالحوار العالمي من خلال الإبداع والابتكار.

شهدت دورة عام 2017 الظهور الأول للمملكة في هذا الحدث العالمي، وكان الجناح السعودي آنذاك بمثابة إعلان عن نية المملكة في الانخراط الجاد في الحوارات الثقافية الدولية من خلال التصميم والعمارة. لم تكن المشاركة مجرد عرض فني، بل خطوة أولى نحو تمثيل الهوية الوطنية في المحافل العالمية.

عادت السعودية للمشاركة في بينالي لندن عام 2019، ولكن هذه المرة بصوت أكثر وضوحًا ورسالة أكثر تركيزًا. رغم شُح المعلومات المتوفرة حول مضمون الجناح في هذه الدورة، إلا أن الحضور بحد ذاته شكّل تأكيدًا على التزام المملكة بتعزيز الدبلوماسية الثقافية وتوسيع آفاق التبادل الفني.

في دورة عام 2023، قدّمت المملكة جناحًا بعنوان “منسوج”، من تصميم المصممتين رُبى الخليدي ولجين رفاء، حيث استُلهم العمل من فن السدو البدوي التقليدي. وقد دُعي الزوّار للمشاركة الفعلية في نسج خيوط على نول حي، ما أضفى على الجناح طابعًا تفاعليًا حيًا يعكس استمرارية التراث وربطه بالهوية السعودية المعاصرة.

المياه الصالحة” – مشاركة 2025

في عام 2025، وضمن الدورة الخامسة من بينالي لندن للتصميم، قدّمت هيئة العمارة والتصميم السعودية جناحًا استثنائيًا بعنوان “المياه الصالحة”، والذي أقيم في الفترة من 5 إلى 29 يونيو في سومرست هاوس بلندن. وقد عالج الجناح بأسلوب مفاهيمي قضية المياه من منظور بيئي وثقافي، متسائلًا: هل الماء الذي نحصل عليه بلا مقابل هو حقًا بلا تكلفة؟

الفكرة والتصميم

جاء الجناح متماشيًا مع عنوان البينالي العام “انعكاسات السطح”، حيث سلط الضوء على الأنظمة الخفية وراء الوصول إلى المياه وتوزيعها وبنيتها التحتية وقيمتها الرمزية في المجتمعات. وتمحور التصميم حول “السبيل”، وهو نافورة تقليدية تُجسّد مفهوم الكرم العربي، ولكن أعيد تقديمها هذه المرة كرمز يستفز الفكر حول تكلفة الكرم في سياق بيئي معاصر.

تكوّن فريق التصميم من أربعة مصممين سعوديين هم: آلاء طرابزوني وعزيز جمال ودرّ قطان وفهد بن نايف، ينتمون إلى مجالات متعددة تشمل العمارة والفنون البصرية والفيلم والتصميم المفاهيمي. وقد تم تنفيذ المشروع تحت إشراف هيئة العمارة والتصميم، بقيادة الرئيسة التنفيذية الدكتورة سمية السليمان، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 في دعم المواهب الإبداعية السعودية على الساحة العالمية.

تجربة المعرض

  • نافورة السبيل: كانت نقطة الارتكاز في الجناح، حيث وُضعت نافورة عامة تقدم الماء للزوّار، لكنها حملت رسالة ضمنية مفادها أن الحصول على الماء “بالمجان” يتطلب بنية تحتية ضخمة وطاقة وموارد.
  • أفلام وبيانات مرئية: عُرضت أربعة أفلام قصيرة ورسوم بيانية توثق الرحلة الكاملة للماء من التحلية إلى التصنيع والنقل، مسلطة الضوء على البُعد البيئي والبشري في إنتاج الماء.
  • عرض البنية التحتية: كُشفت مكونات النظام المائي بالكامل، بما فيها الأنابيب والفلاتر والصمامات والخزانات، لتكون جزءًا من المعرض بدلاً من إخفائها، في محاولة لتقديم “تصميم بلا مصممين” يركّز على كشف الحقيقة.
  • تفاعل الزوّار: طُلب من الزوار استخدام أكواب ورقية مكتوب عليها: المياه الصالحة 500 مل = أمر ذكاء اصطناعي واحد، لتسليط الضوء على تكلفة الاستهلاك، وتم تشجيعهم على استخدام الزجاجات القابلة لإعادة التعبئة.

أبعاد ثقافية وبيئية

يرتبط السبيل في الثقافة السعودية ببئر زمزم، والأساطير الإبراهيمية، وقيم التضامن والمسؤولية المجتمعية. ومع أن المملكة هي أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، إلا أن كل قطرة ماء تحمل معها بصمات طاقية وبيئية واقتصادية لا يمكن تجاهلها.

الأثر والرسالة

تكشف مشاركة السعودية في بينالي لندن للتصميم عن تطور نوعي في توظيف التصميم كأداة للطرح الأسئلة الكبرى، ووسيلة للتواصل الثقافي العابر للحدود. ويُعد معرض “المياه الصالحة” تجسيدًا لهذا التوجه، حيث حوّل رمزًا بسيطًا من الضيافة إلى منصة حوار بيئي عالمي، تُظهر أن وراء كل “مورد مجاني” منظومة معقدة من التكاليف والمسؤوليات.

من خلال مشاريع مثل “المياه الصالحة”، تعبّر المملكة العربية السعودية عن قيمها مثل الكرم والوعي البيئي والمسؤولية الاجتماعية دون الحاجة إلى كلمات. ويسهم ذلك في إعادة تشكيل التصورات العالمية عن المملكة، متجاوزًا الصور النمطية ومبرزًا عمقها الثقافي وطموحها.

انظر أيضًا

شركاؤنا

eunic
Ithraa
Manchestercamerata
RCU
RSIFF
Shubbak
VAC