في أكتوبر 2024، قامت أوركسترا مانشستر كاميراتا، التي تُعد من بين أكثر الفرق الموسيقية ابتكارًا في المملكة المتحدة، بزيارة إلى العلا بهدف إقامة شراكة ثقافية مستدامة. لم تكن الرحلة تتمحور حول الأداء الموسيقي فحسب، بل كانت تجربة تهدف إلى الاستماع والتواصل ووضع أسس تعاون مستقبلي يقوم على الإبداع المشترك والاحترام المتبادل والابتكار الفني. وبفضل مكانتها كفرقة حائزة على جائزة الجمعية الفيلهارمونية الملكية، لم تقدم كاميراتا تميزها الموسيقي فقط، بل جاءت برؤية أوسع لتعزيز التبادل الثقافي العميق والمستدام.
هدفت الزيارة إلى لقاء المجتمع المحلي وقيادات العلا واستكشاف فرص التعاون المستقبلي. وتركزت النقاشات حول إمكانية إنتاج أعمال موسيقية أصلية تعكس جوهر العلا، واستكشاف دور الموسيقى في تعزيز الصحة العامة بالإضافة إلى تطوير برنامج زمالة في المملكة المتحدة يتيح مسارات جديدة للمواهب السعودية الصاعدة. وقد كان التركيز على العمل المشترك من أبرز محاور الزيارة، حيث سعى فريق كاميراتا إلى فهم النسيج الثقافي للعلا من خلال التفاعل المباشر مع أصحاب المصلحة المحليين والمبدعين.
شملت اللقاءات عددًا من الشخصيات البارزة في الهيئة الملكية لمحافظة العلا، من بينهم محمد الحربي وكيت هال-تيبينغ ونورا الدبل وفيونا نوبل وجوزيف ماسون وغيدة بكور. كما التقى الفريق مع ماثيو نولز، المدير الإقليمي للمجلس الثقافي البريطاني في السعودية، ونائبة السفيرة البريطانية أليس بوك، بالإضافة إلى المستشارة الثقافية هيا الحجيلان. ومن جانبها، ضمت كاميراتا عددًا من الأعضاء الرئيسيين مثل المدير التنفيذي بوب رايلي والمؤلف الموسيقي تيم كروكس وعازفة الفلوت سارة ووهيل وعازف الكمان الرئيسي الثاني ويليام نيويل، إلى جانب عدد من طلاب ومدرّسي مركز العلا للموسيقى وخبير الصحة العامة دنكان سيلبي.
طوال فترة الزيارة استمع الفريق بعناية إلى الموسيقيين المحليين والمرشدين ورواة القصص ورعاة الثقافة. وقد برز من خلال هذه اللقاءات شعور عميق بالفخر بالإرث الحي للعلا، وباستمرار حضور الهوية القبلية والتاريخ الشفهي والارتباط العميق بالطبيعة من النجوم والمياه والطبيعة إلى الجمل كرمز خالد للصمود والتحمل. وأسفرت هذه التجربة عن مجموعة من القيم المشتركة التي ستشكل أساس التعاون القادم، وتشمل: القرب والتبادل والإنسانية والأصالة والابتكار والجودة. والهدف هو أن تعكس كل مبادرة هذه المبادئ بما يضمن تواصلها بصدق مع الجمهور المحلي والدولي على حد سواء.
من أبرز الأفكار التي خرجت بها الزيارة كانت تطوير عمل موسيقي جديد يتكوّن من أربعة أجزاء، مستلهم من العلا ومُنتج بالشراكة مع أهلها. وسيكون هذا العمل قابلاً للتنفيذ بأحجام وسياقات مختلفة، سواء في وديان الصحراء أو الواحات أو في الأماكن التاريخية بالبلدة القديمة، وسيستند إلى أصوات وقصص ترتبط بالمكانة العالمية للعلا على طول طريق البخور التاريخي. ومن خلال التعاون بين فنانين من السعودية والغرب، سيجمع هذا العمل بين التراث والابتكار في تجربة فنية فريدة لا تخطئها الهوية العُلاوية.
وقامت هذه الزيارة بتمهيد الطريق لعروض حية مستقبلية في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وأعمال مسجلة للجمهور العالمي وشكل أعمق من التبادل الفني يتجاوز الحدود. لم تجد أوركسترا مانشستر كاميراتا في العلا مجرد إلهام، بل مجتمعًا مستعدًا للمشاركة في صياغة مستقبل السرد الثقافي.