بينما كنت أتجوّل بين العروض المبهرة لمهرجان إدنبرة فرينج هذا العام– من عروض درامية مؤثرة إلى مقاطع كوميدية تبعث على الضحك – وجدت نفسي أتخيل مهرجانًا مشابهًا في المملكة العربية السعودية. ماذا لو استطعنا أن ننظّم حدثًا يجمع الفنانين والجمهور والمبدعين في أجواء يسودها الإبداع؟ إن الأثر المحتمل لن يكون فنيًا فحسب، بل اقتصاديًا أيضًا.
خلال زيارتي في إدبنرة، التقيت بفريق المجلس الثقافي البريطاني، الذي كان ينظم مؤتمرًا لمخرجي المهرجانات العرب بهدف بناء جسور التعاون بينهم وبين منظمي الفعاليات في إدنبرة، وإطلاعهم عن قرب على ما يجعل مهرجان "فرينج" تجربة فريدة. هذه النقاشات أشعلت فكرة جديدة في ذهني: هل يمكن أن تستضيف السعودية مهرجانًا يحمل هذه الروح ويضخ في مدننا طاقة جديدة ومحتوى إبداعيًا مختلفًا؟
لماذا مهرجان "فرينج" في السعودية؟
تستضيف المملكة اليوم العديد من الفعاليات الكبرى مثل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي وموسم الرياض ومدل بيست، وهي فعاليات أسهمت في نهضة المشهد الثقافي والفني في المملكة. لكن مهرجانًا على طراز "فرينج" يمكن أن يضيف بُعدًا آخر مختلفًا تمامًا؛ تخيّلوا شهرًا كاملًا تتحوّل فيه مدينة سعودية إلى مركز نابض بالحياة والإبداع – هذا هو جوهر مهرجانات "فرينج".
تتميّز مهرجانات "فرينج" بطابعها المفتوح وتنوّع عروضها، حيث تُعرض أعمال مستقلة وتجريبية وفنية أمام جماهير متنوعة. وقد جعل مهرجان إدنبرة، وهو الأكبر من نوعه في العالم، من المدينة مركزًا ثقافيًا عالميًا يجذب فنانين وجمهورًا من مختلف أنحاء العالم. وقد تبنّت بلدان أخرى هذا النموذج بنجاح كبير، مثل مهرجان أفينيون في فرنسا ومهرجان أديلايد "فرينج" في أستراليا. فهل تستطيع مدن مثل الرياض، جدة، أو الدمام تحقيق نجاح مماثل؟
الدمام: المدينة المثالية للاستضافة
من بين هذه المدن، تبرز الدمام كخيار مثالي. فالمنطقة الشرقية، بما فيها الدمام، الأحساء، الظهران، والقطيف، تزخر بتاريخ فني وثقافي غني منذ سبعينيات القرن الماضي، وقد شهدت ولادة العديد من المجتمعات المسرحية والمبادرات الفنية المحلية. دعمت الدمام الفن من خلال عروض مجتمعية، وتدريب للممثلين، ومهرجانات صغيرة تطورت لاحقًا إلى فعاليات بارزة مثل مهرجان أفلام السعودية الذي يُقام سنويًا في إثراء.
ويُعد "إثراء" – مبادرة عامة من أرامكو السعودية – وجهة ثقافية رائدة منذ عام 2018، حيث يركّز على تطوير المواهب المحلية وتعزيز التجارب الثقافية المتبادلة. ومن بين برامجه السنوية مسابقة العروض المسرحية القصيرة التي تشجع الفنانين السعوديين على الإبداع وتقديم أعمال جديدة.
كما أن موقع الدمام الاستراتيجي في المنطقة الشرقية وقربها من البحرين والكويت – التي تُعد من أكثر الدول الخليجية نشاطًا في المسرح والسينما – يجعلها مركزًا مثاليًا لاستقطاب الزوار الإقليميين والدوليين. وبفضل قربها من شبكات الطرق الرئيسية، وتوافر وسائل النقل، ووجود مطار دولي، تُعد الدمام نقطة وصول ميسّرة للفنانين والجمهور والمشاركين، مما يمكن أن يعزّز من انتشار وتأثير المهرجان بشكل كبير.