تصوّر لمهرجان "فرينج" بالسعودية: ليكون خطوة جديدة في المشهد الفني للمملكة

تصّور وتجربة ترويها لنا سها خان

Make Tofu Not War, 2018, Goshka Macuga © The Artist. Courtesy of the Artist and Kate McGarry London. Photo © British Council
Photo by Soha Khan

بينما كنت أتجوّل بين العروض المبهرة لمهرجان إدنبرة فرينج هذا العام– من عروض درامية مؤثرة إلى مقاطع كوميدية تبعث على الضحك – وجدت نفسي أتخيل مهرجانًا مشابهًا في المملكة العربية السعودية. ماذا لو استطعنا أن ننظّم حدثًا يجمع الفنانين والجمهور والمبدعين في أجواء يسودها الإبداع؟ إن الأثر المحتمل لن يكون فنيًا فحسب، بل اقتصاديًا أيضًا.

خلال زيارتي في إدبنرة، التقيت بفريق المجلس الثقافي البريطاني، الذي كان ينظم مؤتمرًا لمخرجي المهرجانات العرب بهدف بناء جسور التعاون بينهم وبين منظمي الفعاليات في إدنبرة، وإطلاعهم عن قرب على ما يجعل مهرجان "فرينج" تجربة فريدة. هذه النقاشات أشعلت فكرة جديدة في ذهني: هل يمكن أن تستضيف السعودية مهرجانًا يحمل هذه الروح ويضخ في مدننا طاقة جديدة ومحتوى إبداعيًا مختلفًا؟


لماذا مهرجان "فرينج" في السعودية؟

تستضيف المملكة اليوم العديد من الفعاليات الكبرى مثل مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي وموسم الرياض ومدل بيست، وهي فعاليات أسهمت في نهضة المشهد الثقافي والفني في المملكة. لكن مهرجانًا على طراز "فرينج" يمكن أن يضيف بُعدًا آخر مختلفًا تمامًا؛ تخيّلوا شهرًا كاملًا تتحوّل فيه مدينة سعودية إلى مركز نابض بالحياة والإبداع – هذا هو جوهر مهرجانات "فرينج".

تتميّز مهرجانات "فرينج" بطابعها المفتوح وتنوّع عروضها، حيث تُعرض أعمال مستقلة وتجريبية وفنية أمام جماهير متنوعة. وقد جعل مهرجان إدنبرة، وهو الأكبر من نوعه في العالم، من المدينة مركزًا ثقافيًا عالميًا يجذب فنانين وجمهورًا من مختلف أنحاء العالم. وقد تبنّت بلدان أخرى هذا النموذج بنجاح كبير، مثل مهرجان أفينيون في فرنسا ومهرجان أديلايد "فرينج" في أستراليا. فهل تستطيع مدن مثل الرياض، جدة، أو الدمام تحقيق نجاح مماثل؟


الدمام: المدينة المثالية للاستضافة

من بين هذه المدن، تبرز الدمام كخيار مثالي. فالمنطقة الشرقية، بما فيها الدمام، الأحساء، الظهران، والقطيف، تزخر بتاريخ فني وثقافي غني منذ سبعينيات القرن الماضي، وقد شهدت ولادة العديد من المجتمعات المسرحية والمبادرات الفنية المحلية. دعمت الدمام الفن من خلال عروض مجتمعية، وتدريب للممثلين، ومهرجانات صغيرة تطورت لاحقًا إلى فعاليات بارزة مثل مهرجان أفلام السعودية الذي يُقام سنويًا في إثراء.

ويُعد "إثراء" – مبادرة عامة من أرامكو السعودية – وجهة ثقافية رائدة منذ عام 2018، حيث يركّز على تطوير المواهب المحلية وتعزيز التجارب الثقافية المتبادلة. ومن بين برامجه السنوية مسابقة العروض المسرحية القصيرة التي تشجع الفنانين السعوديين على الإبداع وتقديم أعمال جديدة.

كما أن موقع الدمام الاستراتيجي في المنطقة الشرقية وقربها من البحرين والكويت – التي تُعد من أكثر الدول الخليجية نشاطًا في المسرح والسينما – يجعلها مركزًا مثاليًا لاستقطاب الزوار الإقليميين والدوليين. وبفضل قربها من شبكات الطرق الرئيسية، وتوافر وسائل النقل، ووجود مطار دولي، تُعد الدمام نقطة وصول ميسّرة للفنانين والجمهور والمشاركين، مما يمكن أن يعزّز من انتشار وتأثير المهرجان بشكل كبير.

Image
Photo by Callum Bennetts

الفرص والتحديات

يحمل إنشاء مهرجان "فرينج" سعودي إمكانات هائلة. فمن الناحية الاقتصادية، يمكن أن يُحدث المهرجان نقلة نوعية في المدينة المستضيفة، من خلال دعم الأعمال المحلية وجذب الاستثمارات في المناطق الحضرية. ومن شأن ذلك أن يسهم في تحسين البنية التحتية وتهيئة المزيد من المساحات الفنية التي يمكن استخدامها لخدمة المجتمع على مدار العام. كما أن المهرجان سيجذب الزوّار، ويخلق فرص عمل، ويعزز الإنفاق في قطاع الضيافة، مما يساهم في النمو الاقتصادي العام.

وعلى الصعيد الاجتماعي، سيُتيح المهرجان فرصًا كبيرة لتعزيز المشاركة المجتمعية. فإشراك أفراد المجتمع في تنظيم المهرجان وأنشطته يمكن أن يعزز روح التطوع ويقوي التماسك الاجتماعي. كما سيمكّن الفنانين والمبدعين المحليين من اكتساب الخبرة والانفتاح على شبكات جديدة وتطوير مهاراتهم من خلال التفاعل مع فنانين إقليميين ودوليين.

ومع ذلك، فإن تنظيم مهرجان من هذا النوع في المملكة لن يخلو من التحديات. فهناك اعتبارات لوجستية مهمة مثل تأمين المواقع المناسبة، واستيعاب أعداد كبيرة من الفنانين والجماهير، وهي أمور تتطلب تخطيطًا دقيقًا. كما أن الطابع المفتوح للمهرجان – والذي يتيح لأي شخص المشاركة – قد يثير بعض التحفظات المتعلقة بالحساسية الثقافية.

إلا أن هذه التحديات تمثّل في الوقت ذاته فرصًا فريدة. فمهرجان "فرينج" مُعدّ بشكل جيد يمكن أن يفتح المجال لسرد روايات فنية جديدة ومتنوعة في المشهد الثقافي السعودي، ويشجع على الحوار والتفاهم بين مختلف مكونات المجتمع. ومن خلال تنظيم العروض بعناية، يمكن للمهرجان أن يوازن بين القيم التقليدية والتعبير الفني المعاصر، مما يثري الثقافة المحلية ويحفز الاقتصاد عبر السياحة والاستثمار الثقافي.

رؤية للمستقبل

يمتلك مهرجان "فرينج" سعودي القدرة على أن يصبح إضافة رائدة إلى رزنامة الفعاليات الثقافية في المملكة. وسيميز نفسه عن فعاليات كبرى مثل مدل بيست ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي وموسم الرياض من خلال كونه منصة للإبداع المجتمعي، والتجريب الفني، والحوار الثقافي. وباعتناقه لروح "فرينج"، يمكن للمملكة أن تثري مشهدها الفني المحلي وتقدم في الوقت نفسه شيئًا فريدًا للعالم.

ومع استمرار المملكة في توسيع آفاقها الثقافية، يبقى السؤال المطروح: ما هو الدور الذي يمكن لكل منا أن يلعبه لتحقيق هذه الرؤية؟


انظر أيضًا

شركاؤنا

eunic
Ithraa
Manchestercamerata
RCU
RSIFF
Shubbak
VAC