العُلا، المعروفة بجمال طبيعتها الأخّاذ وإرثها العريق، أصبحت اليوم وجهة لتجربة ثقافية استثنائية لا تُنسى: أزيرا، مسرحية تفاعلية غامرة انطلقت في ديسمبر 2024. هذا العرض، الأول من نوعه في المملكة، يقدّم شكلاً جديداً للحكاية، حيث يُدعى الزوّار للدخول إلى قلب القصة نفسها، في عالم تتداخل فيه الأسطورة مع الذاكرة والمكان.
بتكليف من الهيئة الملكية لمحافظة العلا، تتيح أزيرا للجمهور أن يعيش الحكاية بدلاً من مجرد مشاهدتها من بعيد. لا خشبات تقليدية هنا ولا صفوف مقاعد؛ بل رحلة متحركة بين رمال الصحراء، يتنقل الضيوف خلالها من مشهد إلى آخر، بينما تتكشف القصة أمام أعينهم. يدمج العرض بين المسرح والحركة والصوت والطبيعة ليخلق رابطاً عميقاً بين الأرض والأداء.
من خلال مزج المسرح بالموسيقى السينمائية والحركة والتصميم التفاعلي، تنقل أزيرا الحضور إلى عالم خيالي مستوحى من روعة طبيعة العلا وتراثها. تحت إدارة لوسي ريدلي وتصميم روبي لو، ينتشر العرض في مواقع خارجية متعددة شُيّدت بعناية بين تكوينات العلا الصخرية العملاقة. تبدأ الرحلة بقطار رمزي يقود إلى “مدينة مفقودة”، قبل أن يتنقل الضيوف بين فضاءات مفتوحة وأودية، كل منها يعكس جزءاً من السرد. وبفضل الإضاءة والموسيقى والأداء الصوتي، تتحوّل كل محطة إلى مشهد نابض بالحياة.
يبدأ المشهد الأول بركوب الضيوف قطاراً رمزياً يتجه نحو “مدينة ضائعة”، تقودهم بطلة مغامِرة في عالم غامض تحت الأرض. كل فصل يُقدَّم في مساحة فنية خاصة، كثير منها بُني بين ستة صخور رملية ضخمة تُشكّل خلفية طبيعية مهيبة، بينما تتحوّل المسارح المفتوحة بفضل الإضاءة الدقيقة إلى بوابات نحو أزمنة وأبعاد أخرى.
ما يجعل أزيرا فريدة هو تمازج جمال الطبيعة مع فنون الأداء الحديثة. فهي لا تُقام في العلا فحسب، بل تجعل من العلا جزءاً من القصة نفسها؛ كل صخرة، وكل ظل، وكل نسمة هواء تصبح جزءاً من الحكاية. ليست مجرد مسرحية، بل رحلة حسّية تبقى في الذاكرة طويلاً بعد انتهائها.
بالنسبة للهيئة الملكية للعلا، تمثل أزيرا توجهاً متزايداً نحو الفن المعاصر والابتكار الثقافي. فهي تثبت أن العلا ليست مكاناً للتاريخ فقط، بل مساحة لسرد جديد وأفكار مبدعة. كما أنها ثمرة تعاون عالمي جمع فنانين ومبدعين من خلفيات مختلفة ليبتكروا تجربة استثنائية للمنطقة.
الاستثنائي في أزيرا هو اتحاد الشكل مع المكان؛ فهي لا تعتمد على نص أو خشبة مسرح تقليدية. الصحراء نفسها تتحوّل إلى خشبة، والجمهور يصبح جزءاً من اللغز الذي يكشف أسراره العرض. إنها رحلة حسّية متعددة الأبعاد عبر الصمت والصوت والحركة والطبيعة، تدعو للتأمل وتوقظ الإحساس بالدهشة.
أزيرا لم تقدّم عرضاً مسرحياً فحسب، بل وجّهت دعوة لاكتشاف العلا من خلال العاطفة والخيال والذاكرة. ذكّرتنا بأن الحكايات ما زالت قادرة على ربط الإنسان بالمكان، وأن حتى أقدم المناظر الطبيعية تستطيع أن تتحدث بصوت جديد حين يُمنح الفنانون حرية الإبداع.