أزيرا: تجربة مسرحية تفاعلية في قلب العلا

عُرض مسرح "أزيرا"، الذي انطلق في العلا في ديسمبر ٢٠٢٤، هو أول مسرح غامر في المملكة العربية السعودية. يتنقل الضيوف عبر الصحراء، مُستلهمين القصة والصوت والضوء، مُحوّلين تضاريس العلا إلى مسرح حيّ للأسطورة والذاكرة والخيال.

Make Tofu Not War, 2018, Goshka Macuga © The Artist. Courtesy of the Artist and Kate McGarry London. Photo © British Council
Photo by Ruby Law [RULA]. Image Courtesy: Royal Commission for AlUla

العُلا، المعروفة بجمال طبيعتها الساحر وإرثها العميق، باتت اليوم وجهة لتجارب ثقافية لا تُنسى. من بين هذه التجارب، يبرز "أزيرا"، عرض مسرحي تفاعلي غامر انطلق في ديسمبر 2024، ويُعد الأول من نوعه في المملكة. لا يكتفي هذا العمل بسرد الحكاية، بل يدعو الزوّار إلى أن يكونوا جزءاً منها، داخل عالم تمتزج فيه الأسطورة بالذاكرة والمكان.

بتكليف من الهيئة الملكية لمحافظة العلا، صُمّمت أزيرا لتتيح للجمهور عيش القصة بدلاً من مشاهدتها. لا يوجد مسرح تقليدي ولا صفوف مقاعد؛ بل رحلة مفتوحة في قلب الصحراء، ينتقل خلالها الضيوف من مشهد إلى آخر بينما تتكشف الأحداث أمامهم. يجمع العرض بين الأداء الحركي، والصوت، والضوء، والطبيعة، ليخلق علاقة حية بين الإنسان والمكان.

من خلال مزج المسرح بالموسيقى والحركة والتصميم التفاعلي، يأخذ العرض الحضور إلى عالم مستوحى من طبيعة العلا وتراثها. تحت إشراف لوسي ريدلي وتصميم روبي لو، تمتد التجربة عبر مواقع خارجية بُنيت بعناية بين تكوينات العلا الصخرية المهيبة. تبدأ الرحلة بركوب قطار رمزي يقود نحو “مدينة مفقودة”، قبل أن ينتقل الضيوف عبر مساحات وأودية مختلفة، لكل منها دور في الكشف عن فصول الحكاية. ومع الإضاءة والموسيقى والأداء، تتحول كل محطة إلى مشهد نابض بالحياة.

تميز أزيرا لا يكمن فقط في التقنية أو السرد، بل في الاندماج العميق بين العرض والمكان. هنا، لا تُقام التجربة في العلا فحسب، بل تصبح العلا نفسها جزءاً من القصة. الصخور، الظلال، والمساحات الواسعة تتحول إلى عناصر درامية، وتصبح نسمات الهواء جزءاً من الإحساس. إنّها تجربة حسّية تبقى في الذاكرة طويلاً بعد انتهائها.

بالنسبة للهيئة الملكية للعلا، يمثل هذا العمل خطوة واضحة نحو تعزيز الفنون المعاصرة والابتكار الثقافي. فهو يبرهن أن العلا ليست فقط موقعاً للتاريخ، بل فضاءاً مفتوحاً لإعادة تخيّل الحكايات وابتكار طرق جديدة لعيشها. كما أنه ثمرة تعاون عالمي جمع فنانين ومؤدين ومبدعين من خلفيات متعددة.

في جوهرها، أزيرا ليست عرضاً مسرحياً تقليدياً؛ إنها رحلة متعددة الحواس عبر الصوت والصمت، الحركة والسكون، الطبيعة والخيال. رحلة تدعو إلى التأمل، وتوقظ الإحساس بالدهشة.

أزيرا أعادت اكتشاف العلاقة بين الإنسان والمكان، وذكّرتنا بأن القصص ما تزال قادرة على أن تربطنا بالأرض، وأن الطبيعة، مهما كانت قديمة، يمكن أن تتحدث بصوت جديد عندما نمنحها مساحة لتبوح بما فيها.

انظر أيضًا