في أواخر شهر سبتمبر 2025، انطلقت مجموعة مكوّنة من عشرة من أبرز الفنانين السعوديين، والقيّمين، والمهنيين الثقافيين في رحلة إبداعية إلى اسكتلندا، ضمن النسخة الأولى من برنامج «جسور الفن» 2025–2026، الذي أطلقته هيئة الفنون البصرية في المملكة العربية السعودية بالتعاون مع المجلس الثقافي البريطاني وألْسِركال للاستشارات.
على مدى ستة أيام، استكشف المشاركون المشهد الفني النابض بالحياة في اسكتلندا، متنقّلين بين مدن غلاسكو ودندي وإدنبرة وجزيرة بوت. وقدّم البرنامج للمشاركين تعريفًا معمقًا بالنظام الثقافي والفني في البلاد، وفرصًا للتواصل مع نظرائهم في مؤسسات فنية رائدة مثل ترامواي ومدرسة غلاسكو للفنون وستريت ليفل فوتووركس ومتحف بيريل كولكشن ومركز الإقامة الفنية كوف بارك ومركز دندي للفنون المعاصرة ومتحف في آي آند إيه دندي.
التعلّم من خلال التبادل
منذ اليوم الأول في غلاسكو، تعرّف الوفد السعودي على عمق الإرث الفني الاسكتلندي وروح الابتكار التي تميّزه. وشهد المشاركون لقاءات مع قيّمين وقادة ثقافيين ناقشت سبل الموازنة بين الحفاظ على التقاليد وتجديد أساليب العرض والإنتاج الفني.
في ترامواي، قادت القيّمة الفنية كلير جاكسون نقاشات حول دور الفن المعاصر في إشراك المجتمعات المحلية والتفاعل مع القضايا الاجتماعية، وهو موضوع لاقى صدى واسعًا لدى المشاركين السعوديين الذين يعمل كثير منهم على مشاريع فنية مجتمعية داخل المملكة.
وفي متحف بيريل كولكشن، استمع المشاركون إلى ممثلي مؤسسة غلاسكو لايف حول كيفية الدمج بين الاستدامة والحفاظ على التراث الثقافي، الأمر الذي ألهمهم للتفكير في تبنّي ممارسات مشابهة في المتاحف السعودية الناشئة.
أما في دندي، فقد زاروا مركز الفنون المعاصرة ومتحف في آي آند إيه دندي، حيث اطّلعوا على كيفية مساهمة التصميم والإبداع في إحياء المدن وتعزيز الهوية المحلية، في انسجام مع طموحات المملكة لبناء مدن ومناطق ثقافية مبتكرة.
الانغماس في الإبداع
خارج المدن الكبرى، استكشف المشاركون الجمال الطبيعي للمشهد الفني الريفي في كوف بارك، مركز الإقامة الفنية المطلّ على بحيرة لوخ لونغ. في هذا المكان الهادئ، انفتحت نقاشات ملهمة حول العملية الإبداعية وأهمية التعاون والاستدامة، مذكّرة الجميع بأن الإلهام يبدأ غالبًا من الطبيعة.
واختُتمت الرحلة في جزيرة بوت بزيارة منزل ماونت ستيوارت، أحد أبرز المعالم التي تجمع بين الفن والتاريخ والعمارة. وفي أحضان الطبيعة الاسكتلندية، تأمّل المشاركون التجارب التي عاشوها والعلاقات الفنية التي نشأت خلال البرنامج.
التعاون في صميم التجربة
جاء نجاح برنامج «جسور الفن – اسكتلندا» ثمرة تعاون وثيق بين هيئة الفنون البصرية والمجلس الثقافي البريطاني في اسكتلندا وألْسِركال للاستشارات، الذين صمّموا معًا برنامجًا يجمع بين التطوير المهني والانغماس الثقافي.
وقد أتاح الأسبوع للمشاركين السعوديين فرصة ثمينة للتعرّف على كيفية دعم المؤسسات الاسكتلندية للفنانين وتعزيز الشمولية وبناء اقتصادات ثقافية مستدامة. وفي المقابل، أُتيحت للمضيفين الاسكتلنديين فرصة الاطّلاع على المشهد الفني السعودي المزدهر، القائم على التنوع والتجريب والحوار.
كما قالت الدكتورة دينا أمين، الرئيس التنفيذي لهيئة الفنون البصرية:
"يمثل هذا البرنامج فرصة للتعلّم والإلهام وتبادل الأفكار التي تُسهم في تطوير منظومة الفنون البصرية في المملكة، وتعكس غنى مشهدنا الفني المعاصر على الساحة الدولية وتُرسّخ العلاقات طويلة الأمد."
نظرة إلى المستقبل
بدأت نتائج برنامج «جسور الفن – اسكتلندا» بالظهور بالفعل، إذ عاد المشاركون إلى المملكة بشبكات جديدة من العلاقات، وأفكار ملهمة، وآفاق أوسع للتعاون المستقبلي بين السعودية والمملكة المتحدة.
وتجري حاليًا مناقشات لاستضافة فنانين وقيّمين اسكتلنديين في السعودية عام 2026، استكمالًا للحوار الذي بدأ بين شوارع اسكتلندا المرصوفة بالحجارة وسواحلها الخلابة.
كانت الزيارة أكثر من مجرد برنامج تبادل ثقافي؛ إنه مجتمع إبداعي متنامٍ يربط الفنانين عبر القارات. ومن خلال تعزيز التفاهم والتعاون، يجسّد البرنامج قوة الفن في بناء الجسور، ليس فقط بين الأماكن، بل بين الناس والمجتمعات.